لماذا يجب علينا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله ووالده وولده والناس أجمعين" , وصح عنه أنه قال :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه " .

إن من يتأمل في حال النبي صلى الله عليه وسلم وما حصل في حياتنا بسببه وحرصه وبذله يدرك سر ذلك الحكم , ومغزى كون محبته صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون أكثر من محبتنا لأنفسنا .

فنحن نحب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المخلوق الوحيد الذي حصلت لنا على يديه أعظم نعمة في الوجود : معرفة الله والإيمان به .
 فالله أنقذ الناس وأنقذنا به من الظلمات إلى النور , وجعلنا نعيش في أعلى نعم الدنيا : التعرف على الله والاتصال به والتلذذ بمناجاته والأنس بدعائه .

 كانت البشرية قبل النبي صلى الله عليه وسلم مطبقة على عبادة الأوثان ومتهافتة على التعلق بالأصنام والخرافات والأساطير , فكان كثير منهم يصنع الصنم بنفسه ثم ما يلبث أن يصير ذلك الصنم إلها له يعبده ويتعلق به ويدعوه ويرجوه , وبلغت الوثنية درجة عالية من العبثية , فلا تكاد تحصى عدد الآلهة في الأرض .

كانت البشرية قبل النبي صلى الله عليه وسلم تعيش في جاهلية عمياء : يأكل القوي فيها الضعيف , ويتسلط فيها الأشداء على البسطاء , ويكثر فيها القتل والغصب والسرقة والفساد .

كانت البشرية قبل النبي صلى الله عليه وسلم تعيش في حياة متدنية متردية , اختلطت فيها مقاييس الخير والشر وتداخلت فيها معايير الحَسَن والقبيح .

فأرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم , فغير به مسار البشرية وبدد به كيان الوثنية وأنار به الطريق للإنسانية .فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهداية , ومن الانحراف إلى الاستقامة , ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام , ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .   
        
لما قسّم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم بعد يوم حنين أعطى الناس ولم يعط الأنصار شيئا , فكأنهم وجدوا في نفوسهم , فقام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم مذكرا وواعظا , فقال :"يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي , ومتفرقين فجمعهم الله بي , وعالة فأغناكم الله به" , فأقروا بفضل رسول الله عليهم , وقالوا : الله ورسوله أمن الله ورسوله أمن .

نحب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أعظم مخلوق من البشر يحبه الله , فإذا كنا نحب الله فإنه يجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلينا , وإذا كنا نعظم الله فإنه يجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسها .

وجاء في بعض الأحاديث الضعيفة :" أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي".

نحب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من أحرص الناس على هدايتنا وحب الخير لنا , فإنه صلى الله عليه وسلم كان حريصا على تبليغ الحق إلينا وكان يُجهد نفسه ويتعبها كثيرا لأجل ذلك , تحمل الأذى من الكفار لأجل أن تصل إلينا هداية الله , سافر وبذل وسهر الليالي لأجل أن يصل إلينا نور الله , فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان والمحبة والعظيم والإجلال؟ .

نحب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مجتهدا في الدعاء وطلب الخير لنا , فعبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل :"رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني"  وقوله تعالى :"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي , وبكى , فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم-فسله : ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله , فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال -وهو أعلم- فقال الله يا جبريل : اذهب إلى محمد , فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك".

بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لي ولك ولأمته في كل صلاة , فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب النفس فقلت: يا رسول الله ادع الله لي , قال : اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر , وما أسرت وما أعلنت ، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضحك , فقال: أيسرك دعائي؟ فقالت : ومالي لا يسرني دعاؤك , فقال : والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة" .

يا الله ... النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لي ولك في كل صلاة !!

 أنت .. أنت ...قد لا تدعو لنفسك في كل صلاة , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك لي ولك , ألا يستحق أن يكون أحب إليك من كل شيء حتى من نفسك؟!

لأجل هذه الرحمة الكبيرة بأمته لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا له صلّى الله عليه وسلّم ، فقال في وصف نبيه : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }، وقال تعالى في وصف نفسه: { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ } .

نحب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يشتاق لنا , فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه يوما فقال :"وددت أني لقيت إخواني . قال الصحابة رضي الله عنهم أولسنا نحن إخوانك يا رسول الله ؟ قال : أنتم أصحابي ، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني".

إنسان بلغ منزلة لم يبلغها أحد من البشر , وارتقى درجة لم يصلها إليها أحد من الناس , فهو أعلى البشر منزلة أرقاهم درجة , ومع ذلك كله يعلن صراحة بأنه يشتاق لي ولك !!

والله لو بلغك عن ملك من ملوك الدنيا أن يعلن في مجالسه بأنه يشتاق له لكان ذلك الملك من أحب الناس إليك وأعلاهم قدرا عندك , وستكون من أشد الناس دفاعا عن وحرصا على إرضائهم وسعيا في خدمته , فكيف إذا كان ذلك المشتاق لك هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي بلغ درجة لم يبلغها أحد من البشر؟!!

نحب محمدا صلى الله عليه  وسلم لأنه الشخص الوحيد الذي سيخلصنا الله بسبب شفاعته من أهوال يوم القيامة, فإن الناس إذا بلغ بهم الخطب يوم القيامة واشتد عليهم الحال يقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟

فيذهبون إلى آدم ويطلبون منه الشفاعة فيعتذر عنها ويرسلهم إلى نوح , ويأتون إلى نوح ويطلبون منه الشفاعة فيعذر عنها ويرسلهم إلى إبراهيم و فيعتذر عنها ويرسلهم إلى موسى فيتعذر عنها ويرسلهم إلى عيسى , فيتعذر عنها ويرسلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

فيأتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء ، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي. فقال: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى" .

نحب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ينتظرنا هناك ... هناك على الحوض , قال صلى الله عليه وسلم :"إني فرطكم – أي : من يسبقكم - على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا"
فلم تقتصر فضائل النبي صلى الله عليه وسلم علي وعليك وعلى أمته في الدنيا- وكفى بها من فضائل- وإنما تستمر الخيرات التي يتسبب فيها حتى في الآخرة , حين يخرج الناس من قبورهم ويقفون في أرض المحشر عراة حفاة عطشا جوعا خائفين وجلين , يستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض ويشرون من حوضه المبارك شربة لا يضمؤون بعدها أبدا .

نحب محمد صلى الله عليه وسلم لأن المؤمنين لا يدخلون الجنة حتى تفتح أبواب الجنة بسبب شفاعته وطلبه , يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ، فيقول: من أنت؟ فأقول: محمد ، فيقول: بك أمرت ، لا أفتح لأحد قبلك" .

وقد ترجم الصحابة رضي الله عنهم محبة النبي صلى الله عليه وسلم واقعا في حياتهم , فهم بلا شك أشد الناس حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصدقهم في معانيها وأحرصهم على كمالها وإتمامها , فبذلوا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله، وطاعة وحبا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعبر عن ذلك سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ حين قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكر ابن هشام وغيره في السيرة النبوية: " يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صدق عند اللقاء، فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله" .

وحين حاصر المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه سارع الصحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاموا حوله سياجاً بأجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في الدفاع عنه، فقام أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو، ويقول: " نحري دون نحرك يا رسول الله ".

وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يسير في الطريق فمر تحت مرزام في بيت العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل على ثوبه قطرات من دم , فغضب عمر ونزع الميرزام من مكانه فقال العباس :"والله أن الذي وضع هذا المرزام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم , وضعه بيده عندما كنت أبني بيتي"، فبكى عمر وهو يقول: "أرسول الله هو الذي وضعه بيده؟!" قال العباس: "نعم"، فقال عمر: "والله لتركبن على ظهري وترجعه إلى مكانه".

وقد بلغ الصحابة رضي الله عنهم في حب النبي صلى الله عليه وسلم درجة لم يبلغ أحد من البشر في حبهم لعظمائهم يقول عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ لما قدم مفاوضا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من طرف قريش وحلفائها، قال واصفا ما رآه من حب الصحابة وتعظيمهم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إنْ رأيت ملكا قَطْ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيما له ".

إن استحضار هذه المعاني من أعظم ما يحرك قلوبنا إلى محبة النبي صلى الله عليه وسلم , ويجعلها دائمة الحب له .
فإذا أدرنا لأنفسنا وأبنائنا وطلابنا أن نحقق القدر العالي من محبته صلى الله عليه وسلم فعلينا أن نتربى على تلك المحركات , وأن جعلها حاضرة في أذهاننا وعقولنا .
إن من أعظم صور الخلل في مناهج التربية أن تقتصر المناهج التربوية على النظر في المقاصد العليا دون الاهتمام بالمحركات والأصول التي يؤدي بالناس إلى البلوغ إلى تلك المقاصد والمنازل .

لماذا يجب علينا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
سلطان العميري

Post a Comment

أحدث أقدم