من أفضل ما ينمي ملكة الكتابة، ويؤسس في النفس الموهبة الأدبية، أن تقرأ لأديب واحد كل ما يقع بين يديك من كتبه، حتى تتشكل في ذهنك صورة صادقة كاملة عن أسلوبه في الكتابة، ومجمل أفكاره التي يبثها في تضاعيف مؤلفاته، وقد يكررها في مواضع متناثرة، فيزيدها التكرار رسوخا في ذهنك.
واحذر أن تحكم على الأديب بما يقوله النقاد عنه، ولكن عليك بالاطلاع المباشر الذي يسقط الواسطات. ولا يكتفي بتلك الأحكام الجاهزة التي يذكرها هؤلاء النقاد إلا ساقط الهمة، ضعيف العزم.
واعلم أن القراءة المتفرقة التي تختار من كل أديب كتابا أو كتابين، تعطي صورة ناقصة، وتضيع على القارئ فوائد كثيرة، يحصلها بالتكرار المشار إليه آنفا.
جرب هذه الطريقة مع بعض الأدباء المعاصرين (كالعقاد والرافعي وأبي فهر والمازني وزكي مبارك والطنطاوي (وهو من أكثرهم تكرارا لأفكاره وفوائده)) أو المتقدمين (كالجاحظ والتوحيدي). واصنع مثل ذلك مع الشعراء.
وجرب ذلك أيضا مع عباقرة التأليف كابن تيمية وابن القيم وابن حزم والشوكاني وأضرابهم.
وإن خشيت الملل، فلا بأس من التنويع، ولكن على أن تجعل للكاتب الواحد من هؤلاء المذكورين آنفا قسطا محدودا لا تنزل عنه في اليوم.
مثال ذلك: إذا قررت أن تتعرف على تراث الجاحظ، فخصص له خمسين صفحة في اليوم، لا تتنازل عنها، ثم اقرأ لغيره ما شئت، بما يدفع عنك السآمة.

Post a Comment

أحدث أقدم