سؤال : ما رأيك بمن يرون أن تعلُّم العقيدة الصحيحة يكمن في القرآن الحاوي على ما يشفي ، وهو واضح أمام من قرأه ... أما تعلمها من خلال المطولات من الشروح والسلاسل الطويلة (وما فيها من إسهاب ومناقشات حول أمور لا تفيد المؤمن البسيط فضلاً عن تشتيتها له أحياناً) فهذا من التكلُّف ... ؟ (طبعاً الكلام عن غير المتخصص)
الجواب :
في هذا الكلام حق وباطل، وأظن المتكلم به أو الناقل عنه لم يضبط جيدا كلام العلماء في هذه المسألة.
نعم، ذكر جماعة من أهل العلم الأكابر قديما وحديثا، أن العامي المسلم يكفيه من العقيدة ما تزخر به نصوص الوحيين، وإجماعات السلف، مع ما يكفي لشرح ذلك شرحا ميسرا، دون الدخول في النقاشات والخلافات، والردود على الشبهات، التي لعلها لم تخطر على باله أصلا.
وأما طالب العلم المتمكن فعليه أن يخوض في التفصيلات، ويحرر المسائل، ويحقق قضايا المعتقد، ويناظر أهل البدع ويرد باطلهم إن استطاع.
وأما الكلام المنقول هنا ففيه خلل من أوجه:
الوجه الأول: الاكتفاء بالقرآن، وهذا باطل قطعا، لا يقول به غير مبتدعة القرآنيين ومن نحا نحوهم. بل لا بد من السنة أيضا، فإنها المفسرة للقرآن. وكذلك لا بد في كثير من الأمور، من الالتزام بالمنهج العقدي العام الذي كان عليه الصحابة والتابعون.
الوجه الثاني: نفي اعتماد كل شرح للنصوص، بقوله (وهو واضح أمام من قرأه). وهذا باطل، إذ القرآن واضح للعربي العارف بلغة العرب، وأما غيره فيحتاج إلى حد أدنى من الذوق العربي السليم لفهمه. وأين الذوق العربي اليوم، وأغلب اعتماد الناس في القراءة على الجرائد والشبكة؟! وهذا كما لو قلنا للفرنسي اليوم: اقرإ القرآن بالعربية فهو واضح! ولا أرى كبير فرق بين الفرنسي وبين العامي المغربي - مثلا - فإن كليهما لا يفهم القرآن دون ترجمة وتفسير.
الوجه الثالث: الاستهانة بجهود العلماء عبر قرون متطاولة، وهم قد كانوا أعلم وأرحم بالمسلمين من كثير من المعاصرين. وكثير مما دخل فيه العلماء من المناقشات ما دخلوا فيه إلا اضطرارا. فقد سئل الإمام أحمد: (هل لهم رخصة أن يقول الرجل: القرآن كلام الله تعالى ثم يسكت؟ فقال: ولم يسكت؟ ولولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا، لأي شيء لايتكلمون؟).
والغالب أن من يقول مثل هذا الكلام، وإن قاله عن العوام فقط، فإنه يطرده بعد ذلك في غيرهم. فيطلب من طلبة العلم أيضا عدم الكلام في هذه الأمور، وعدم الرد على المبطلين. بل يطلب ذلك من كبار العلماء أيضا، وقد ينكر عليهم دخولهم في هذه المناقشات العقدية. وهذا شيء قد رأيناه من جماعة من الناس، كان تطورهم الفكري على هذه الطريقة، ينتقلون من باب التيسير على العامة، إلى إلغاء الجدل العقدي رأسا!
والخلاف موجود، لا يمكن ستره بطريقة النعامة، وإنما الواجب اتباع الحق وإبطال الباطل.
والله أعلم
جواب مفيد للشيخ البشير عصام المراكشي عن سؤال حول إمكانية الاكتفاء بالقرآن لمعرفة العقيدة:
Media news
0
Commentaires
Enregistrer un commentaire